موضوع: قصة بوب مارلي الشهيرة الثلاثاء فبراير 05, 2008 2:52 am
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعلك تسمع الاسم للمرة الأولي.. إلا أنها لن تكون الأخيرة.. سيطالعك وجهه علي الزجاج الخلفي لبعض السيارات.. ستجده يبتسم بهدوء في صورته المطبوعة علي الـ (تي شيرت) الذي يرتديه صديقك.. أنه "بوب مارلي".. الفنان الأسطورة.. رسول موسيقى الريجي.. أو النغمة الثائرة.
بعيدا عن الألقاب دعنا نبدأ القصة من البداية.. سنعود للوراء قليلا.. إلي السادس من فبراير من عام 1945 حين ولد «Robert Nesta Marley» في جامايكا لأب في العقد الخامس من عمره وأم لم تتجاوز الثامنة عشر بعد..(!!) هذا الفارق الكبير بين الأب والأم انعكس على الطفل الصغير.. فلم تكد تنقضي السنة الأولى من حياة "بوب" حتى هجره أباه ليتركه مع أمه الصغيرة يعاني اليتم والتشرد.. أدرك بوب شكل الحياة حوله مبكراً، فعندما بلغ الثالثة من عمره كان يملك قدرات فائقة لجعل الجميع يلتفون حوله وينجذبون إليه.. احترف قراءة الكف كمهنة يكسب منها قوت عيشه هو وأمه الفقيرة المحبطة حيث يعيشون سويا في أزقة حي «Trench Town» بمدينة «Kingston» نفس هذه الأزقة هي التي شهدت نمو هذا الفتي الحالم ونمو إدراكاته أيضاً .
مئات من الأسئلة ملأت عقل هذا الفتي اليافع وظل يبحث عن إجاباتها بقية عمره.. لماذا أنا أسود اللون..؟! ولماذا يحتل الرجال البيض أرضي وبيتي ويعتدون علي أمي؟؟! إلا أن هذه الأسئلة لم تطل.. ففي عام 1961 التقي بوب مع مجموعة من الشباب احترفوا سويا ًالتسكع في الشوارع بآلاتهم الموسيقية ينشرون موسيقاهم الخاصة بين الناس.. وفي العام نفسه (كان عمر بوب لا يتجاوز حينها السادسة عشر) قدموا عملهم الغنائي الأول تحت اسم «Judge Not» وربما كان أهم ما يميز هذا العمل أنه منح بوب ورفاقه لقباً غاليا ً فسرعان ما عرفهم الناس باسم "خنافس جامايكا" إلا أن هذا اللقب رغم قيمته الغالية للأصدقاء لم يكن يساوي الكثير.. حيث كان بوب وأصدقائه يتقاضون مالا يزيد عن الخمسة دولارات أسبوعيا..(!!!) لم يكن بوب ورفاقه يقدمون شكلا عاديا من أشكال الموسيقى، بل إنهم علي حد تعبير بعض النقاد كانوا يخترعون لونا جديدا من ألوان الموسيقي امتازوا به ومازال يقدم حتى أيامنا هذه علي أنه اختراعهم الخاص الذي يملكون حقوق ملكيته في العالم كله.
إنها موسيقي "الريجي Reggae ": تعود كلمة ريجي إلي كلمة أسبانية قديمة بمعني (ملوك الموسيقي ) إلا أن الاختلاف الذي قدمه بوب للمعنى الذي يغني به هو ورفاقه أنها لم تتوجه ملكاً للموسيقي فقط بل توجته علي عرش النضال والحرية للبشر جميعا ً. قول بوب مارلي: "كانت الموسيقى في نظري ولا زالت هي الحرية.. أغني لأشعر أني مازلت علي قيد الحياة.. أغني لأعلم الناس كيف يصنعون ثورة وكيف يرفضون أن يكونوا عبيدا لبشر مثلهم".
في عام 1966 تزوج بوب من صديقته والمغنية الرئيسية في كورال فرقته "ريتا إندرسون"، التي أنجب منها أبناءه الشرعيين الأربعة سيديللا، وديفيد الشهير بزيجي ، شارون وستيفين، ورث الأولاد الأربعة عن أمهم و أبيهم موهبة الغناء.. وقاموا فيما بعد - بناء على رغبة والدهم - بإنشاء فريق عرف باسم " melody makers " حيث عرف عن بوب ولعه بالروابط الأسرية حيث كان دائما يردد على مسامعهم أن اتحادهم سيكون سر نجاحهم و الهام للآخرين. أتبع أولاد بوب نفس أسلوبه في الغناء وفي كثيرا من الأحيان قاموا بإحياء بعض أغانيه بتوزيع مختلف، ولا تتعجب إذا قلت لك ونفس الحركات وطريقة تصفيف الشعر!
ولبوب 7 أولاد آخرين نتيجة علاقات غير شرعية، فالبرغم من حب بوب لزوجته ورفيقة كفاحه ريتا إلا أنه أشتهر بتعدد علاقته.. والغريب كان في معرفة ريتا لمعظم هذه العلاقات، فكان بوب يحكي لزوجته عنها ويعلمها في حاله إنجابه من إحدى هذه العلاقات، بل وفي بعض الأحيان كما جاء على لسانها كان يقوم بإحضارهم بيتها لتقوم بتربيتهم.
دعنا نعود سريعا لفن مارلي وموسيقي الريجي التي أبدع فيه.. ففي الوقت الذي اعتلى فيه بوب عرش الموسيقي في أفريقيا كان الحلم الذي يراوده أن يجد جسرا يمتد به إلي الغرب ليعرفه الأوربيون والرجال البيض الذين هم في نظره رمزا للظلم والفساد والاحتلال.. لم يكن هذا الجسر لينشأ بسهولة خاصة أن موسيقي بوب تختلف بشكل جذري عن النمط الذي يروق للغرب وهي في الأصل خروج صارخ علي موسيقي الروك آند رول التي كان العالم كله يترنم بها في هذا الوقت.. إلا أن الفرصة الذهبية جاءت إلي بوب مارلي عن طريق أحد أشهر موسيقيي بريطانيا «ايريك كلابتون Eric clapton» الذي قدم للغرب أحد أعمال «بوب مارلي» الغنائية وهي «I Shot the sheriff» التي أبدع مارلي في تأليفها لدرجة أن كلابتون أعتقد إنها قصة حقيقة وأن بوب قام بإطلاق الرصاص على أحد بالفعل.. وعندما سأله عنها رد بوب مارلي قائلاً: "بعضها حقيقي وبعضها لا"!
يعالج هذا العمل هيمنة الرجل الأبيض مصائر ومقدرات شعوب العالم الثالث.. بدأ الغرب يعرف بوب ويعشق فنه وأسلوبه؛ فالرجل مازال يتقن فن جذب الناس حوله وشغلهم بما يقدم.. أدمن الشباب أسلوبه في الحياة.. وقفته علي المسرح.. طريقته في الغناء، وحتى خصلات شعره الطويلة المتناثرة علي جبهته..
أروع أعمال بوب مارلي علي الإطلاق أغنية «No Woman No Cry» التي تفيض بالرومانسية والحب والتي أنتجها ليسمعها العالم كله ويشتهر بها بوب شهرة فاقت كل الحدود.. بعدها أحس بوب أن الرحلة انتهت وأن موته قريب، فقدم آخر أغنياته والتي غناها لأصدقائه الذين رافقوه طوال رحلته الطويلة مع الفن والسياسة والتمرد والحب تحت أسم (كل شيء سيكون علي ما يرام everything is gonna be alright) جاءت النهاية قريبة بالفعل، فشوكة صغيرة أصابت إصبع قدم بوب وهو يمارس كرة القدم الرياضة الشعبية الأولى في وطنه في عام 1977 سببت بداية ورم خبيث وتوجب بتر الطرف المصاب، لكن معتقدات بوب منعته من القيام بذلك، وكان يتغلب على الشعور بالآم بتدخين "المارجويانا" التي هي في معتقدات طائفته وسيلة للتوحد مع الإله. تغلغل السرطان إلى جسد بوب مارلي حتى فتك بمعدته وإحدى رئتيه وأخيرا دماغه ليمنح وساما رفيعا من بلاده قبل شهر من وفاته في مستشفى بولاية ميتمي الأمريكية، وتوقف قلب بوب مارلي عن الخفقان في الحادي عشر من مايو عام 1981 وهو في السادسة والثلاثين من العمر.. هذه رحلة بوب مارلي الطويلة إذا حسبت بالأعمال التي تحتويها القصيرة بحساب السنين والشهور.. أتراها كانت تستحق هذا العناء..